عن قربٍ وعن بعد، يأتي إلينا الأبطال والعمالقة، عبر الزمان والمكان، كبارًا وصغار. غالبًا ما يستجيبون للنداء وكأنهم يسمعون ويشاهدون، حين تتردد أصداء تلك الاحتياجات والتطلعات، قلائل هؤلاء الذين يبقون معززين في القمة. إنهم يبصرون ما وراء الدموع ويسمعون ما وراء الخوف. يرون الأمل حيث يرى الكثيرون اليأس والوَهَن والإخفاق. انهم يحبون حقًا عندما يصبح الحب نادرًا، ونجسًا، ومتقلبًا. لقد قيل "كاد المعلم أن يكون رسولا"؛ هذا واحد من تلك الأقوال المأثورة القليلة القيمة التي لا بد أنها صحيحة.
أستاذ فهيم! لقد قابلتك للمرة الأولى بتلك الابتسامة العريضة نفسها التي أراها اليوم بعيون عقلي. لم أكن أعرف الكثير عن القلب الكبير الذي تنتمي إليه الابتسامة العريضة حيث عادت إلى ديارها، يومًا بعد يوم، بعد كل نجاح وكل فشل، وبعد كل بذرة من الأمل تتسلل وتهلل. سامحني يا أستاذي، فقد أخطأت إذ لم أكن أعرف أنني كنت بحضرة البطل الذي نحتفل به الآن. ولكن الذي لم أخطئ به أبدًا أنني أيضًا رأيت رجلاً منتميًا، رجلاً مهتمًّا، رجلاً مفعمًا بالرعاية الأبوية بما فيها من حنان جميل ولكنه قاسٍ، رجلاً تجاوز الأراضي المقدسة والأقل قداسة على حد سواء، وشاهد الظلم المقدس والأقل قداسة، رجلاً رأى الظلم عابرًا، ورأى الحق حتميًا مثل هذا الاحتفال، هذا العبور، هذه اللحظة.
أستاذ فهيم، لقد كانت رحلتك طويلةً وشاقة. تلك الفترات التي سررتُ وتشرفتُ فيها بمشاهدتك والتعامل معك، كانت تبدو حية، ملونة، وهادفة. كنت أرى لون الأمل ينعكس في عينيك أثناء لقاءاتنا العابرة. حيث لم يعد اللونان الأسود والأبيض هما المهيمنين، لم يعودا يفرضان نفسيهما. لقد أصبحا كالبقية - مجرد لونين. ومع ذلك فالأمل له لون، هكذا علمني الأستاذ فهيم. ولكنه لون ليس كالألوان. فالأمل هو أن ترى الأمل بعد الحلم. الأمل هو معرفة أن الطريق سيستمر بعد المنعطف الذي لا نراه. إلى ما وراء المسافات التي لا يمكننا بلوغها. إلى ما هو أبعد من الوقت الذي لا يمكننا النجاة منه. إلى ما وراء القلوب التي لا يمكن أن نسترقها. وإلى ما وراء المظالم العديدة التي لا يمكننا استيعابها.
أستاذ فهيم! ما حققته أنت، ما هو إلا مجرد حلم للكثير منا. عندما سأل جبران: "ما هو القدر الذي سيجلبه العمالقة للعالم في نهاية نضالاتهم؟" كان السؤال موجهًا لك أستاذ فهيم؛ لأنك غيرت حياة الكثيرين كما يفعل العمالقة. فأنت حولت ما لم يكن واقعيًا إلى حقيقة. لقد بعثت الحياة فيما لم يكن حيًا. لقد قدمت الكثير وشاركت ما هو عزيز. بالنسبة لنا، نحن المحرومون، سواء هنا في هذا المهجر أم ذاك، فقد كتبتَ فصلًا في ملحمة معاناتنا الدائمة عن الحب والتفاني والرؤية، وسط أنقاض الحرمان واليأس. أستاذ فهيم! لقد فهمنا الآن، كما فعلت أنت. لقد شعرنا الآن كما شعرت. وأصبحنا نرى الآن كما رأيت. هذا الأمل الذي نفثتَ فيه الحياة مرة أخرى، ليس له إلا أن يستمر، تمامًا كما هو الإرث "فهيم قبعين".
ناصر برغوثي
6 أيار 2012